عندما كان مرضى التخمة و السكري من بعض اغنياء المدينة  يعربدون و يزمجرون أمام المخبر مننتظرين دورهم لاجراء التحاليل انتصب هو صامتا هادئا وقد غطى نصف وجهه بشال، لمحت يدا تمتد اليه لتدفعه حتى كاد يقع لم يقل شيئا بل لم يلتفت حتى
شيء ما شدني ، ربما كما قال لي ابي ذات يوم " ستنمو لديك ملكة التمييز بين المتالمين صدقا و الممثلين و لتعلمي ان اغلب من يتالم بعمق يتالم بصمت ."
تجاوزت الجمع حتى ادركته وقلت : اخي
انتفض ملقيا الكيس نعم انسة
قلت : تفضل بالدخول
لمحت وراءه فتاة وججها كفلقة القمر سبحان الله ما اجملها، استاذن قائلا هل يمكن ان تدخل معي لا استطيع تركها خارجا
قلت : اكيد تفضلا
جلس على الكرسي و اختبات الفتاة وراءه وهي لا تفارق يده
دفع الي بوصفة التحليل ودون مزيد تخمين كان من قسم السرطانيات ..
تمالكت نفسي، و تظاهرت بالتخفيف عنه  حتى استجمع الكلام و ارتب افكاري بين سؤاله عن مرضه عن وضعه المادي عن الاطفال
سالته: مم تشكو يا اخي؟
قال ولا يزال متمالكا نفسه اصابني "بحمد الله " السرطان عام ثمان و تسعين و ها قد عاودني انا اخضع  للكيمياوي الآن انا اتالم كثيرا يا انسة، انا اموت الما وقبض على ركبته دون ان يذرف الدمع ..
تراجعت الى الوراء و تظاهرت بالكتابة ..ولكن للاسف خارت قواي وتعالى صوت بكائي
لاحظ الامر فانفجر: يا اختي لكل اجل كتاب لكن بالله عليك من لهؤلاء؟ من لابنتي؟ انظري اليها ،انظري اليها يا ربي مزالت صغيرة، لقد انقطعت عن الدراسة؟ لم ادرس  انا و لن تدرس هي. 
لم ار بحياتي حرقة كحرقته على ابنته و هو يتحدث عنها  و عن انقطاعها عن الدراسة 
"أرأيت هذا الكيس انا ذاهب الى السوق الآن لاجمع بقايا الخضروات انا في تونس انا" اموت مرضا و جوعا لم اعد اقدر يا اختي هذا عمري لينقضي كما ينقضي لكن اطفالي يا ربي اربعة اطفال من بهم؟
 ضرب على ركبته و طاطا براسه باكيا حتى ارتمت الفتاة في احضانه  والعبرة تخنقها
"يا اختي اربعة اطفال من بهم ؟ يتولاهم ربي ,,,يتولاهم ربي"
هالني الامر، لم تكن الفتاة غير مبالية كسائر ابناء عمرها بل قد بلغت منها  اللوعة .مبلغها..
تقدمت زميلتي لاخذ عينة الدم بعد عناء لضمور اوردته وهو يغمض عيني ابنته كي لا تتالم لالمه ،وقف  مغادرا فسالته عن امكانية رجوعه يوم الاثنين ،
فاجابني "والله يا اختي لم اعد اقدر هل من  الممكن  أن  ارسل من ينوبني انا لا استطيع".. و بكى
قلت :لا عليك  المهم ارسل لي من تثق به يوم الاثنين،
  حيّانا بادب و امتنان و قال لابنته قبلي خالتك ومضى وهو يعرج
لازلت اتمنى كسب زميلتي الرهان يوم قالت "سترينهم كل يوم و ستعتادين 
وهاهي السنوات تمضي و لم اعتد و لم اهنأ بنوم و لاطعام وانا انتظر
انتظرت الاثنين ثم الثلاثاء فالاربعاء ولا اثر له، تذكرت اللقب، فهاتفت بعضا ممن حسبت انهم من نفس المنطقة
فاجابتني الاخت دون تردد" اه فلان رحمه الله قد توفي منذ يومين بعد اقتلاع ضرسه..هل قابلته في المستشفى ؟
كان تكرارها "آلو ...آلو مروة انت معي؟" آخر ما اتذكره من المكالمة التي لا اعرف كيف انهيتُها ..
كان يقف في الصف و المرض قد نهش جسمه ،  كان ينتظر دورًا لاجراء تحاليل لمقابلة طبية باغتته المنية قبلها،
 كان يومها يودع بحرقة ابنة لم يلبثْ الا ان فارقها
 كان اجله يقترب و هو يعلم و لا يتألم الى لحال ابنائه بعده


**************************************************************

موجودون في كل مكان من الارض هنا و هناك 
لا ندري ما يكابدون و ما يتجرّعون 
بعضهم قد وصلتنا معاناته و الآخر يئنّ في صمت 
شعثُ غبرٌ مدفوعون بالابواب 
عسى الله ان يجعلهم مقبولين في السّماء