و أنا أصعد الدّرج لمحتُ أكداسَ الكتب في القبو..تذكّرتُ وَعيد أمّي "إمّا أن ترتبيها و إمّا أن أُلقيها."
كنتُ على يقين أنها لن تلقيها فهي تعلم أنّ كتب و كراسات أبنائها من الابتدائي الى الباكالوريا ، جوائزهم، قصصهم، دفاتر أعدادهم و لوحات إبنها ..كانت كلها هناك ..
لم أكن بمزاج جيّد البتّة بعد يوم صاخب في المخبر، لم اكن بمزاج جيد أبدا.. إلاّ أنني توجهت دون أن أدري الى الكتب جلستُ,, و بدأت الرحلة ..
شدتني ألوان الكراسات و اغلفة الكتب تذكرت جزم امي بتغليفها بغلافين حفاظا عليها
تذكرت عدم توفيقي في التغليف و اعتمادي الدائم على اخوتي الاكبر مني
لمحت خطي الرديء و تذكرت تكلفي في ترتيبه و تلك الالوان الكثيرة التي كانت تطغى على الصفحات ..و صور الفتيات و الورود التي كنت ازينها بها
تراءت لي عناية ابوي وحنانهما ..تكبّدا الكثير لنكون ما نحن عليه الآن
امّي ..تراءت لي كالشجرة المعمرة صامدة بهدوء ممتدة جذورها الى عمق الارض
كم كانت ايام المدرسة بريئة و جميلة رغم اضطهاد و ظلم بعض المعلمين :برد الشتاء .الاكف المتجمدة و الخوف من العصا..
و كم كانت أيام الثانوي مشحونة بالتجارب و الانجازات و الدروس التي خطت ملامح شخصيتي.. :صدق الأوفياء و طعن المقربين و اشراقة التفاؤل.
تذكرتُ المرضَ و الحزنَ و خيبةَ الامل و الضغطَ و فقدان الاحبة ..أنّى للقلم أن يُسطر ملامح او حتى طيف اشجان و افراح الماضي و الله انه لعاجز عن ذلك !
.. كتاب القراءة "الصّباح الجديد".. تذكّرت اول يوم دخلتُ المدرسة حصل لي تماما ما حصل لزينب :لم تغمض عيني و أنا أنتظر الصباح .."مازال الصُبح بعيدا يا زينبُ.".
تصفحتُ كتب الاولى فالثانية فالسادسة فالتاسعة اساسي فالباكلوريا و الجامعة ..سبحان الله
مضى قسطٌ مهم من عمري! ساةرني شعور بالرضا بما انا عليه نغصه عليه تقصيري في مجالات اخرى وانهالت
مالذي انجزته يا تُرى ؟مالذي قدمته ؟ تاملت كل هذا الاجتهاد و العمل الدؤوب و سهر الليالي؟
كم جف من قلم؟ كم أُنهك من كراس ؟كم أُنفق من وقت؟ و الى ما صرنا الآن ؟ و إلى أي مآل نسير؟؟
تُرى ماذا كانت النيةُ من كل ليلةٍ سهرتُها ؟ من كل وقت أُفني؟ من كل حزن و جهد بُذل؟ آلمني أنّني لم اتعلمْ حديثَ النبي صلّى الله عليه و سلّم" إنّما الأعمال بالنيات و إنّما لكلّ امرء ما نوى " في صغري و ما فقهتُ هذا الحديث الا مؤخرا و لازلت اجاهد نفسي كي اعمل به.
رمقت بازدراء تلك الجوائز التي كانت تُقدّم ُ لنا "قصص عبير" الماجنة و قصص بعض المؤلفين التونسيين التي لا تخلو من مواقف خدشت حياءنا على صغر سننا و بارك الله في اخي الاكبر اذا كان يرجع أمثالها للادارة ..
، نهضتُ..و لم انه الترتيب:
ربّما لانني اردتُ العودةَ الى رحلتي في الزمن البعيد مرّة أُخرى..
لعلّني اتعظ انّ أربعا و عشرينَ من عمري مضتْ!
لعلّني أعي إلى ما آنا ذاهبة إليه !
لعلّني أقرنُ كُلّ أفعالي بنيةٍ خالصةٍ لله !
لعلّني أحثُّ السيرَ في طلب علمٍ يُنتفع به !
لعلّني أتزودُ من الذي لا بُدَّ منه .
0 commentaires:
إرسال تعليق