هلْ أُحدِّثُكُم عمّا يُمكنُ أن تحسَّهُ عندما تضطرُّللتعامل مع مرضى السّرطان. لا يبدو الأمر مُمتعا البتّة . لكن أولئك الذين ابتلوا بحتمية معايشة الموقف يعلمون جيّدا عمّا أتحدّث.
أحيانا يوفّقُ القلمُ و اللسان في وصف طوفان الألم الذي ينتابك مرّة واحدة دون تجزئته إلى أقساط و كأنّما الفاجعة فيك و المصاب ليس ببعيد عنك.
و أحيانا يبدو القلم بائسا هزيلا شاحبا أمام ما يمكن أن يقع في قلب امرىء حين سماعه ببدء معركته مع الموت !
عادة ما يتملّصُ أعوانُ الصحّة من هكذا موقف ، و يغدو الطّبيب المسكين المسؤول الرّسمي و الأول عن زفّ الأخبار المؤلمة.
لكنّ محاولات الهرب لا تكون دائما موفّقة و أحيانا لا مناص من المواجهة واجبًا أو إرشادًا أو توضيحًا أو نُصحا . حتّى تلميحا لا تصريحا لا يكون الأمر بالهيّن البتّة.
مررت في رحلة مهنتي البسيطة بمواقف مماثلة بتُّ لا أحصيها ، و حفظت أسماء مرضاي المبتلين ، و ترحّمت على كثير منهم.
ربّما لم يتسنّى لي أن أصارحهم بما كنت أكابده حال إعلامهم بادىء الأمر بإصابتهم ، و لم يتسنّى لي أن أُعلهمم أنّني كنت أجمع شتات نفسي لأهوّن عليهم ، و أنني كنتُ كاذبةً حينما سئلتُ هل عاد الدّاء؟ فقلت "لا أعلم أو لا أتصوّر" ، و كُنتُ كاذبة حينما قُلتُ لتلك الشابة: تبدين جميلة وفي صحّة مُمتازة، و كذبتُ كثيرا قائلة سيكون كلّ شيء على ما يُرام.
في هذا المساء ، بعد معاينتي لحالة جديدة : أرى نفسي مُحتاجة لأقول لذلك الكهل الذي عندما تلقّى نتائج تحاليله أردى الهلعُ وجهه وجه ثكلى. فلم يقدر إلاّ أن يُبلل قحط ريقه ثم ردّد محشرجا " لطفك يا ربّ." وإلى ذلك الأب الرّائع الذي أخفى مرضه عن ابنته طالبة الطبّ لسنين مُرددّا " مانشغبش بنيتي" و إلى تلك الأرملة التي تُعيل أربعة أيتام،و لمحتُها تُلقي سفساريها على كتفها فتعثرت خطاها لتقع في البهو، و إلى أماني الصّغيرة رحمها الله و مثيلاتها أقول :
ربّما لن يغيّر هذا كثيرا فيما تتجرّعون من أنواع الألم و الخوف و الضّيق : و لكن أنا الفقيرة قدْ دعوتُ لكم مرارًا في أوقات استجابة الدُّعاء ، و على مائدة إفطاري و في السجود و في السّحر. أنني لم أمُرّ مُرور الكرام على حنظل معاناتكم و أنني لم أعتد رؤيتكم تتألمون ، أنني تعلّمت من إيمانكم و صبركم و ثباتكم و إيثاركم و توكّلكم و استغنائكم عن توسّل العطف في حربكم، و قوّتكم في خوضها وحيدين أو مستأنسين. أثابكم و ثبّتكم و رحمكم الله ، اللهم لطفك بمرضى السّرطان و عونا على رفع الضر
باكتشاف الدواء. و الله المستعان.