بعْد ليلة أبى النعاس أن يساورني فيها ، نهضت كأحد مواطني بلدي لأزوال عملي..
طابور من المرضى يصطف أمام المخبر، صراخ و عويل  و زمجرات و تذمّر رغم أني كنت مبكرّة يومها.. على غير عادتي :p
 كانت السابعة و ثلاث دقائق و كأنما بات المرضى هنا. فتحت الباب و عمّت الفوضى صراخ الأطفال و أنين العجائزواستفسارت من كلّ حدب و صوب..
 جاوزت ستين عيّنة دم وأنا واقفة لانعدام مجرّد كرسيّ ذو ارتفاع مناسب لكرسي أخذ عيّنة الدّم, هذا دون احتساب أصحاب الأوردة الصعبة و الحالات الاستعجالية ، و الانقطاعات لإعطاء النتائج.
بعد الخمس و ستين عيّنة أحسست بوخز حاد في ظهري تجاهلته كعادتي فإذا به يزداد ،
 كانت زميلتي مصابة بنزلة برد حادة و كلّما همّت بمساعدتي ذرعها القيء ، كنا نكابد الألم و الإرهاق و نغض الطرف عنه.
كان بودّي أخذ قسط من الرّاحة ثم المواصلة، لكن هيهات .. المرضى هنا لا يبالون بك عليك ان تاخذ العينة و عليك ان تسرع و عليك ان تفهمهم و تغض الطرف عن قلة استيعابهم و عن تذمراتهم و عن استعجالهم لاخذ النتائج و احيانا قبيح الفاظهم و قلة صبرهم و عليك مراعاة تعثر العجائز و نقص سمعهم والصراخ لإسماعهم.
 امتلات القاعة بالرضع ثلاث اطفال يصرخون في نفس الوقت أخوان يشكوان داء السكري تعتني بهما امهما الارملة .
أخذت العينة لللأخت الكبرى ، التي كانت تضع انبوبا في انفها لم يتسنى لي الاستفسار عن سبب وضعها له،
وضعتها أمّها على الارض و حملت الاخر بين ذراعيها لاخذ العينة كان يتصرع خائفا و يزداد صراخه كانت اوردته صعبة جدا كنت اتصفد عرقا و الألم يزداد في ظهري و الصراخ يوترني و القاعة ممتلئة و الجو حار جدا و آلة NFS تصدر إشعارا بارتفاع حرارة الغرفة ، و الأطفال يصرخون و الروائح كريهة و الحارس يتخاصم مع أحدهم . أنهيت أخذ عينة الطفل فإذا بأخته قد غفلت عن تعليمات أمها بأن تضغط على موضع الإبرة فإذا بالدم يلطخ كلّ ملابسها ، ناديت زميلتي بأعلى صوتي "انتبهي للطفلة "و كنت اضغط على ذراع الطفل بـقوة و أحاول اسكات صوت الآلة المزعج بيدي الأخرى ، و في خضم كل هذا طفلة صغيرة كانت ترقب هذه الفوضى العارمة و رأت الدم على ثياب الطفلة ففزعت و انخفض مستوى السكري في دمعها فاغمي عليها قبل أن تسقط تلقفتها الأيدي و هرعت اليها بجرعة السكر و أرسلتها للاستعجالي، كنت أعلم أن ضغطي منخفض لم أستطع تمالك نفسي ، قدمي متورمة أحس بارهاق شديد، 
 كان مرضى التهاب الكبد الوباىي يزيدون من حزني و توتري لضرورة الاعتناء الفائق بهم. 
 جاوزتُ تسعين عيّنة و الويل ثم الويل إن قمنا بإيقاف اخذ العينات قبل التاسعة و النصف. ربّما يكسر هذا المخبر من قبل البعض. ذهبت لأعاين ضغظي فإذا به منخفض جدا ، شربت ماءا و شرعت في إجراء التحاليل في خضم الانقطاعات المتواصلة.
 شارف اليوم على الإنتهاء، تكدس المرضى لأخذ النتائج كنت جائعة و منهكة جدا لم يتسنى لزميلتي الخروج لساعة رضاعتها و اضطرت ابنتها الصغيرة للعودة وحيدة الى المنزل.
 و مع آخر نتيجة أعطيها زمجر أحدهم قائلا لا أدري لم كل هذا التأخير أنتم تجلسون على الكراسي هنا و لا تعيرون المرضى اهتماما تتقاضون اجرا بدون تعب.
لم أنبس ببنت شفة رمقته يبتعد و الغصة تخنقني..
 أي سيّدي و الله لا راتب يعادل ألمي و ارهاقي و توتري والصبر على خدمة المرضى و الضغط الذي اضطر لعيشه في ظرف ست ساعات تمضي كأنها دهر.
لا راتب يعدل مزاولة عملي و انا في حالة  يرثى لها، لا راتب يعدل الهلع الذي ينتابني عندما يغمي على طفلك أو احتمال الإخطاء في إجراء تحاليل.
 لا أجر يعدل إهانة أعوان الصحة و الضغط الذي يكابدونه حال مزاولة عملهم إذ يتعاملون مع حياة إنسان ، لا أجر يعدل شيئا مما كابدته اليوم. 
لا أجر يقابل جهودي كعون صحة عملي هو عمل انساني لا مقابل له .
لا شيء يجزي عن هذا سواء احتساب الاجر على الله ,
 لا أحد يبالي يا رفاق احتسبوا الأجر على الله و كفى.