ناولني الأب وصفة الطبيب لإجراء تحليل بصفة استعجالية .
لمحتُ على وجهه قلقا اعتدتُ رؤيته على وجوه الآباء كلما حام مكروه بفلذات أكبادهم..
أرسلته لاتمام الخلاص و قلبي يتفطر لحالته الرثة.
كعادة البسطاء الصادقين لم يجادل ممتثلا للقانون .
ناديته "أدخل ابنك لآخذ العينة. "
دخل الإبن فإذا به طفل في سن المراهقة اعتلت وجهه صفرة و شحوب أميزه عن غيره . علامات فقر دم حاد بدت تلوح في الأفق.
نظرت إلى ثيابه تلطخت بانواع طلاء و غبار . بسط ذراعه لأخذ العينة فإذا هي متورمة.
سألته تحس بإنهاك ؟ بألم معين؟
قال نعم إنهاك شديد يا آنسة . لم أكن هكذا .. لم أعد أستطيع المشي .
يا آنسة حتى بابا ماعادش نجم نعاونو في المرمة
انفجر باكيا و قال
بابا كبير ماعادش ينجم و انا البالة ماعادش نجم نهزها. وضرب فخضه حسرة. تساقطت دموعه على الأرض!
كعادة المخبر في إهدائه جرعات هائلة من الألم أتشاطرها مع المرضى إلا أن دموع الابن الملتاع لعجزه عن إعانة أبيه في البناء لكسب لقمة العيش ملأت قلبي أسى ووجداني لوعة.
أدخلتُ العينة في الآلة و لم يخطىء تشخيصي نسبة ايموجلوبين تقل عن 3.00
فعن أي "مرمة" تتحدث يا بني.
شُعثٌ غبر مرضى فقراء منهكون معدمون مجهولون في الأرض عسى الله أن يجعلهم مقبولين في السماء..