بعد غيابٍ عن المرضى دام لأسبوعِ فقط ، أحسستُ وأنا أُصافح وجوههم الشاحبة و ألمحُ بياض شفاههم و أتخطى صفّهم الطويل و أتعثّر فيمن ألقى بجسده المُنهك على الأرض وأستمع لغوغاء تذمّراتهم و شكواهم، بمزيج غريب من المشاعر.
الإشتياق ، الشفقة، انعدام الحيلة ، الرغبة في الإصلاح، الرّغبة في الإحتواء..
عدلتُ عن تشفير ما يُخالجني ، وراودتني فكرةُ ^^
لم لا أعبّر لمريضاتي عن اشتياقي لهن وعن ورودهن بخاطري في إجازتي، و أنّي تسائلتُ عن مدى اتبعاهنّ لحميتهن، و تناولهن لدوائهنّ وصحّة اللات تركتهن في حال سيّئة ؟
هممتُ بسرعة بتنفيذ الفكرة قبل أن يسوء مزاجي في ظلّ الظروف غير الانسانية للعمل
كانت النتيجة رائعة ..وجوه تستنير و وابل من الدعوات التي تلامسُ القلب و تهلل أسارير و ارتياح في الحديث ، و طرح للهموم.
المريض منكسرُالخاطر، عليلُ النفس، ظمآن لما يُعينه على تجاوز ابتلائه و الكلمة الطيبة أو الابتسامة أوالمزحة خيرُسبيل لذلك.
كم أتمنىّ أن تتحسّن ظروف العاملينَ في مؤسسات الصحة العمومية ليجدوا تلك الفسحة التي من خلالها يُشرقون بانسانيتهم لتتمَّ عافيةُ المريض النفسية و البدنية.
و على قدر التماسي لأعذار لسوء مزاجهم المتواصل على قدر دعوتي لهم و لنفسي أوّلا لتكبّد عناء المحافظة على القدر الأدنى من لُطف العبارة و الإبتسامة والسؤال بإهتمام عن حال المريض و مُلامسة حنايا الألم في شكواه.
غفر الله تقصيرنا.


تُراني قد استسلمتُ يا أُمّي؟ الحسرة تضطرم نارًا في أحشائي ..دخول سلسلة التنازلات يُخيفني تُجتث أوصالي من ثوابتها، ترتعد له فرائصي ..تنتابني رجفة و يتصبب من جبيني عرق باردٌ يا أمّي : من دخل سلسلة التنازلات قلّ أن يخرج منها ،من تنازل في الأولى يتنازل في الثانية و من انفلتت منه النظرة تنفلت منه الكلمة ومن زهد في النافلة يزهد في الفرض ومن ألقى العنان لهواه صار عبدا له و من هرب من المواجهة حاد عن الطّريق ..

لنا الويل يا أُمّي مما تكتب اقلامنا و تهرف به ألسنتنا و تشتكيه لله أفعالُنا ، بأيّ وجه سنلقاه يا أمّي ؟ أبهذا الهوان عند الشدائد و التأرجح عند المحن ، أبهذا الشتات عند الرخاء و الغفلة في السخاء..
لا أرى سبيلا لخلاصنا إلاّ الدّعاء أن يتغمّدنا برحمة منه و فضل ، فحبوب الخردل أثقل منّا و لعلّها أثبت في مهب رياح زماننا منّا.